عودة >

ماذا تريد أن تعرف؟

  • أخوات يسوع الصغيرات: نساءً أحرارًا متمسّكات بالجوهر
27 تشرين أول 2017
أخوات يسوع الصغيرات: نساءً أحرارًا متمسّكات بالجوهر

كلمة البابا فرنسيس للأخوات بمناسبة المجمع العام في روما 2/10/2017

 

الأخوات العزيزات،

إنّي سعيد لاستقبالكنّ بمناسبة مجمعكنَّ العام. أحيّي المسؤولة العامّة، ومن خلالكنّ أحيّي جميع أخوات يسوع الصغيرات.

إنّ الاحتفال بمجمع عام هو وقت نعمة لكلّ مؤسّسات الحياة المكّرسة. إذ يلتئم الرّهبان بجوّ من الصلاة والمودّة الأخويّة، للإصغاء إلى الرّوح القدس، وللتداول معًا في العديد من الأسئلة والتحدّيات التي تواجهها المؤسّسة في هذه الوقت المحدّد من تاريخها. إلّا أنّه، قبل أن يكون وقتًا للتفكير بخصوص الأسئلة العمليّة، فإنّ المجمع هو الخبرة الروحيّة المشتركة في العودة لينبوع النّداء، الشخصيّة والجماعيّة.

وفي منبع مؤسّستَكم، هناك خبرة حنان الله التي عاشتها الأخت الصغيرة مادلين يسوع مؤسّستَكم، والتي من غير الممكن مقاومتها. إذ أدركت، على خطى الطوباويّ شارل دو فوكو، أنّ الرّبّ كلّيّ القدرة، خالق وربّ الكون، لم يخَفْ، محبّةً بنا، من أن يصبح طفلاً صغيرًا، ملؤه الثقة، بين ذراعيّ مريم، وأن يهب ذاته، بمحبّة وبتواضع، لكلّ شخص منّا. اليوم، بعد مضيّ ثمانون سنة على تأسيس المؤسَّسة، هناك أكثر من ألف أخت صغيرة متواجدة في العالم. هنّ يتواجدن في أوضاع إنسانيّة صعبة، مع الأصغر والأكثر فقرًا. لسن هناك أوّلاً للعلاج، التهذيب، التعليم المسيحيّ – حتّى وإن كنَّ يعملن ذلك بإتقان – إنّما ليحببن. ليكنَّ مع الأصغر، كما كان يسوع، لإعلان الإنجيل في حياتهم البسيطة من عمل، حضور، صداقة واستقبال غير مشروط. إنّه ذات أهميّة حيويّة لكنَّ العودة باستمرار لهذه الخبرة الأصيلة لقرب الرّبّ الذي يهبنا ذاته هو الوديع والمتواضع ليخلّصنا ويغمرنا بمحبّته. يجب التعبير عن حبّ الرّبّ هذا بالتبشير بالأفعال أكثر من الكلام: الابتسامة، الصمت، السجود، الصبر. يخطر في بالي هذا الحوار الذي دار بين البلّوطة وشجرة اللوز. قالت البلّوطة لها: "حدثيني عن الله!" فأزهرت شجرة اللوز. هذا ما تطلبه منكنّ الكنيسة: الإزهار، الإزهار في لفتات حبّ الله.

الأخوات العزيزات، اسعينَ للحفاظ على حماسة حياتكنّ الرّوحيّة لأنّه من هذا الحبّ، المـُنال من الله باستمرار والجديد دومًا، تفيض محبتكنَّ لإخوتكنَّ وأخواتكنَّ. إنّ الشبيبة متعطّشة لهذه الحياة الرّوحيّة التي تسمح لهم بالإجابة بدورهم على دعوة الرّبّ. من هذه الحياة الرّوحيّة تنعكس الشهادة الإنجيليّة التي ينتظرها الفقراء. التعليمات تخدم، لكن بعدها؛ بدون هذه، تراها عديمة الفائدة.   

لا تخفنَ من المضي قدمًا، حاملات في قلوبكنَّ الطفل الصغير يسوع، لكافة الأماكن حيث يتواجد الأكثر صغرًا في عالمنا. ابقينَ أحرارًا في العلاقات تجاه الأعمال والأشياء، أحرارًا كي تحببنَ من تلتقون بهم، حيثما يقودكنَّ الرّوح. أحرارًا كي تطرنَ، أحرارًا كي تحلُمن. إنّ صعوبات الزّمن الحاضر تجعلكنَّ مشاركات في آلام كثير من الإخوة؛ وأنتنَّ أيضًا، معهم، سوف تجدن أنفسكنَّ أحيانًا مضّطرات إلى إغلاق أو ترك بيوتكنَّ للفرار إلى مكان آخر. أنتنَّ أيضًا، تعرفن معاناة العمر، العزلة والألم؛ أنتنَّ أيضًا، تختبرن قساوة الطريق عندما يكون الأمر منوطًا بالبقاء أمينات أثناء اجتياز الصحاري. لكن في كلّ هذا، إنّ الحبّ الذي تحملنه في قلوبكنَّ يجعلكنَّ نساءً أحرارًا متمسّكات بالجوهر.    

  ليكن على قلبكنَّ نوعيّة الحياة الأخويّة في جماعتكنَّ. على الرّغم من المحن، في اتّباع يسوع الفقير بين الفقراء، وجدت الأخت مادلين الفرح الحقيقيّ، الذي شاركته مع الجميع، مبتدئة مع أخواتها. إنّ البساطة والفرح ينتميان للحياة المكرّسة وينتميان لحياتكنّ بطريقة خاصّة. كان الطفل يسوع في الناصرة فرحًا، بالتأكيد إنّه لعب وضحك مع مريم ويوسف، مع أطفال من عمره ومع الجيران. يجب البحث دائمًا عن البساطة، المودّة، أدنى مواقف الانتباه، الخدمة، المفاجأة، لاستعادة طعم الحياة الجماعيّة.

تولد خدمة السلطة من هذه الأخوّة بين بعضكنَّ البعض. إنّ ممارسة المسؤولية، في الكنيسة، نجدها متجذّرة بالرّغبة الأخويّة المشتركة في الإصغاء للرّبّ، التعلّم في مدرسته والعيش من روحه، كيما يقدر ملكوته أن يطال جميع القلوب. في هذا السياق من الإصغاء المشترك والأخويّ يجد مكانهما الحوار والطاعة. وفي هكذا طاعة، على مثال الطفل يسوع، تنمو كافّة الأخوات الصغيرات "في الحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس" (لو 2/52).

تفتح الأخوّة التي تعشنها فيما بينكنَّ قلبكنَّ على الأخوّة نحو الجميع. قد أرسلتكنَّ مؤسّسَتكنَّ لتكنَّ "عربًا بين العرب، رحلاً بين الرّحلّ، عاملات بين العمّال، وعلى الأخصّ إنسانيّات بين بني البشر"(آني يسوع، الأخت الصغيرة مادلين يسوع. خبرة بيت لحم حتّى نهاية العالم). متجوّلات بين المتجوّلين، كما هنا في روما. وهكذا انتشرت المؤسّسة في الكثير من البلدان التي التقيتنَّ فيها بالكثير من هؤلاء الصغار، من كافة الأعراق، اللغات والأديان. إنّ قلوبكنَّ ليس فيها حدود. طبعًا، إنّكنَّ لا تستطعنَ تغيير العالم بمفردكنَّ، لكن باستطاعتكنَّ إنارته بحمل فرح الإنجيل في الأحياء، في الشوارع، مختلطات بالجموع، ودومًا قريبات من الأكثر صغرًا.

كونكنَّ أنفسكنَّ من بين الصغار التي تقدّمهم الطوباويّة مريم العذراء لابنها ربّنا يسوع، تستطعنَ الاتّكال على شفاعتها الوالديّة، وكذلك على صلاة الكنيسة لمؤسَّستكنَّ، خاصّة بمناسبة هذا المجمع العام.  

إنّي أشكركنَّ حقًّا، أشكر زيارتكنَّ وأطلب منكنَّ، من فضلكنّ، أن تصلين من أجلي. شكرًا.