عودة >

ماذا تريد أن تعرف؟

  • إلى أقصى حدوده
  • إلى أقصى حدوده
  • إلى أقصى حدوده
  • إلى أقصى حدوده
  • إلى أقصى حدوده
17 تشرين أول 2018
إلى أقصى حدوده

"نعم"، هذا ما قلته حين سُئِلتُ إن كنتُ أوافق على الخدمة في لجنة المخيّم الصيفي للعمل الرعوي الجامعي "إلى أقصى حدوده"، قلتُها كما قالها أكثر من 30 شخص غيري وافقوا أيضًا على الخدمة ضمن اللّجنة، أوّلهم المنسّقة دانا أبي خليل. قلتُها كما قالها أكثر من 100 طالب جامعي ومكرّس حين سأل نفسه إن كان يريد المشاركة بالمخيّم، "نعم" للذهاب إلى مكانٍ يفيض بالنِعَم.

          منّا من يفضّل اللّغة العربيّة، منّا من يفضّل الفرنسيّة أو الإنجليزيّة. في المخيّم، كلّنا فضّلنا لغةً واحدة، لغة الحبّ. يوم الخميس 16 آب، وصل المشاركون إلى ساحة مدرسة مار يوحنّا الصابغ في الخنشارة. منهم الأصدقاء الّذين اشتاقوا لرؤية بعضهم البعض ومنهم المستغرب لأنّه يشارك للمرّة الأولى وقد لا يعرف إلّا شخصًا أو اثنين. لا يهمّ، خيوط الصداقة والإستغراب حيكت مع بعضها البعض لمدّة 15 يومًا، حيكت بِيَدَين كما تُحاك كنزة الصوف، يد الرياضة الروحيّة الصامتة، وَيَد الرسالة، حتّى أنجزت يوم الأربعاء 29 آب كنزة حبٍّ تحمل دفء العائلة وتفوح منها رائحة الذكريات، رائحةً كلّ ما شممتها، عادت إلى ذهنك لحظات "الحياة". لحظات التأمّل الشخصيّ، لحظات السلام في القدّاس، لحظات التحدّث عن “The Greatest Showman”، لحظات المواضيع مع المريّض الأب جاد شبلي اليسوعي، الّذي يخبرك أنّ الحبّ قويّ كالموت، أنّ الحبّ لا يعرف الضمانات، لحظات سهرات الصلاة والسجود أمام القربان، لحظات فرحة الأهالي برؤية أولادهم، لحظات طرش بيتٍ ما، أو زيارة عائلة، أو اللّعب والضحك مع الأطفال، أو تأهيل حديقة، أو تحضير مونة، أو تأهيل طريق "دروبنا" في الخنشارة لتصبح مسيرًا للعديد من الزائرين في المستقبل، لحظة الإستيقاظ الساعة الخامسة صباحًا حيث ضجيج الحبّ والخدمة يوقظ الشمس من نومها، لحظات المرح والسهرات الترفيهيّة.

          نعم، 15 يومًا مرّوا كلحظات، لحظات كافية لتشرد فيها يومًا بأكمله وتتلذّذ منها بعسل الحبّ وسكّر الصداقات. قد يظنّ من يقرأ أنّني أبالغ في التعبير، لكنّني أجد نفسي مقصّرًا. لا أتحدّث عن المشاعر غير الواقعيّة بل عن الفرح الملموس. أتحدّث عن دموع أشخاصٍ بلّلت صلوات الشكر ولحظات الوداع، لأنّ "المحبّة لا تعرف عمقها إلّا ساعة الفراق". أتحدّث عن طالبٍ صادقٍ، الياس كرم، الّذي قال أمام الجميع "أنا طلعت عالمخيّم لأن ما عندي شي أعملو" لكنّه شاركنا أنّه اكتشف في المخيّم طريق الحبّ. أتحدّث عن طالبٍ آخر، عن أنطوني شديد، الّذي صعد إلى المخيّم للمرّة الأولى بفضل تشجيع بعض أصدقائه فقط، هذا الطالب الّذي كان مقرّرًا أن يشارك فقط في الرياضة الروحيّة، هذا الطالب الّذي اتّصل بأهله يوم الإثنين 20 آب وقال لهم: "يمكن تزعلو منّي بس أنا ما رح سافر معكن بكرا عإيطاليا، أنا حابب ضلّ لآخر المخيّم، قادر سافر بعدين بس اللّي عمعيشو هون مفرّحني ويمكن ما إقدر عيدو بعدين".

          هذا ما أتحدّث عنه، من 16 آب إلى 29 آب 2018، مدّة زمنيّة طبعت في ذهن وقلب 150 مشترك. بذور حبٍّ غُرِسَت كالأرز في أرض حياة كلٍّ منّا، بذورًا ستنبت أوراق حبٍّ خضراء لن تذبل مع مرور الزمن، بذورًا لا يرويها الماء، بل عطش الإشتياق والحنين والشوق إلى اللّقاء القادم، فإلى اللّقاء.

                                                                                                          دانيال عطالله