ماذا تريد أن تعرف؟
إنّ الأخ شارل، "الأخ الشامل"، عندما كان في تامنراست، مع شعب الطوارق، إكتشفَ وتذوَّقَ ولمسَ طيبةَ هذا الشعب، روحَهُ النابِض، إذ قال: "إنّ شعب الطوارق هم مجتمعٌ يُسبِّبُ لي الكثير من العزاء. لا أستطيعُ أن أقولَ بكلماتٍ بسيطة إلى أيّ مدى أجدُ من بينِهِم نفوساً مستقيمة. هناك شخصٌ أو شخصين منهم أعتبرُهُم أصدقاء حقيقيين، وهذا شيءٌ نادرٌ جدّاً وثمينٌ جدّاً." وعندما مرِضَ وشعرَ أنّهُ أشرفَ على الموت، وكانت فترة جفافٍ قويّ في المنطقة كلِّها، إلاّ أنّهُ أُنقِذَ إذ "كانت النساء الطوارق يأتين عنده كلّ يوم ويجمعن الحليب من كلّ المواشي الموجودة في قطر 4 كيلومترات ويُحضِرنَهُ له، وكان أثمن ما عندهنّ"...
لقد لمسني كثيراً هذا النص الذي قرأتُهُ حين كنتُ أتأمّل بما نعيشُهُ اليوم هنا في الدويلعة، في قلب دمشق. الكلّ يعرف الصعوبات والأزمات التي تمرّ فيها البلاد، كما في كلّ أنحاء العالم، ولكن هنا خاصّةً بسبب الحصار، تنقص أشياء كثيرة أساسيّة مثل البنزين، المازوت، الغاز، الخبز... وكلّ الحاجات الأساسيّة غالية الثمن، وحتى الخبز يجب أن نشتريه مع "البطاقة الذكيّة"، ونحن ليس لدينا بطاقة لأننا لسنا سوريّات...
ولكن هناك ما يفوق الأزمات ويتخطّاها بكثير...
منذ فترة، شعر جيراننا وأصدقاؤنا بعدم قدرتِنا على شراء الخبز، فأصبحوا يُحضِرون لنا الخبز، يشترون لنا بعض الخضروات أو يتّصلون بنا ليسألوا إذا كنا نحتاج لأيّ شيء... هذا شيءٌ جميل جدّاً وثمين للغاية! كيف لا نسبّحُكَ يا ربّ على طيبتِكَ التي تتجلّى لنا من خلال الناس؟ فإنّ بذار الإنجيل التي تزرعُها في نفوسِهِم تنمو وتكبر، سواءٌ أنامَ
الزارِع أو سهرَ، سواءٌ في الليلِ أو في النهار، وحتى في الليل الحالِك السواد مثل ليلِنا، حتى في وضعِنا!... نحن نأكل الخبز كلّ يوم مجّاناً، نتغذّى ونتقوّى، ليس فقط بالجسد ولكن أيضاً بالروح، وكلّنا ثقة بالربّ، أبي الرحمة، الذي يعتني بنا، يحبُّنا، يقول لنا: "إنّي قد رأيتُ مذلَّةَ شعبي... وسمعتُ صُراخَهُ... وعلمتُ بآلامِهِ، فنزلتُ لأُنقِذَهُ" (خر3/7-8). شكراً أيّها الآب! شكراً لكم يا إِخوتَنا وأَخَواتِنا لأنّكم مثل الأرملة الفقيرة في الإنجيل التي تُعطي كلّ ما هو ضروريّ لحياتِها، تُعطي جميعَ ما تملك لمعيشَتِها (لو21/1-4).
ها نحن نعيش حياتَنا المكرَّسَة متجذِّرات ضمن الشعب مع "هبة الأمانة وفرح المثابرة"، مع الهبات، ومن خلال الهبات، التقادم التي نستقبلها من الناس، وهم يُشكِّلون جزءاً من حياتِنا، جزءاً من مسيرتِنا. الله هنا، لقد رأيناهُ، لقد لمسناهُ!