عودة >

ماذا تريد أن تعرف؟

  • خبرتي في جنوب إيطاليا
  • خبرتي في جنوب إيطاليا
  • خبرتي في جنوب إيطاليا
  • خبرتي في جنوب إيطاليا
  • خبرتي في جنوب إيطاليا
  • خبرتي في جنوب إيطاليا
09 آب 2017
خبرتي في جنوب إيطاليا

منذ فترة، طلبتُ من المجلس العامّ في رهبنتِنا أن أذهب خارج إقليمِنا لأعيشَ لمدّة سنة في إحدى أُخوّاتِنا المندمجة في العالم في محيطٍ شعبيّ وأختبرَ حياة الناصرة وأرى كيف تتجسّد روحانيّتُنا في مكانٍ مختلف عن محيطِنا وعن عالمِنا الشرقيّ. فكانت لي هذه السنة سنةَ تجديدٍ وانفتاح حيثُ عشتُ في أُخوّة نابولي في جنوب إيطاليا.

          في هذه السنة إختبرتُ الصِّغَر والفقر إذ كنتُ أعيشُ في مجتمعٍ غريبٍ عنّي، وقد لمستُ منذ البداية طيبة الناس في نابولي، في الحيّ وفي الرعيّة وحبّهم للإستقبال والضيافة وإكرام الغريب. لا أنسى عندما ذهبتُ للمرّة الأُولى إلى وسط المدينة بعدما أخذتُ كلّ المعلومات من الأخوات كي أتعلّم طريق العودة إلى الأُخوّة. ولكن كان حظّي في ذلك اليوم أنّ شركة الميترو للمواصلات عملَت إضراباً عن العمل للمطالبة ببعض الحقوق. فعندما ذهبتُ إلى المحطّة لآخذ الميترو علمتُ أنّهم سيتوقّفون عن العمل حتى ساعة متأخّرة من بعد الظهر. ولم أكن قد تعلّمتُ أيّة طريقة مواصلات أخرى. فبحثتُ عن مكانٍ لأتّصل بالأخوات فوجدتُ مكتباً صغيراً فيه ثلاثة رجال فطلبتُ منهم أن أستعمل الهاتف. واتّصلتُ بالأخت وقلتُ لها بلغتي الإيطاليّة "المكسَّرة" أنّ هناك إضراب، فشرحَت لي أنّني أستطيع أن أستعمل الباص ورقمه كذا ويقف أمام المكتبة التي تُدعى Peltrinelli. وعندما انتهيتُ من الحديث مع الأخت، ما كان من أحد الرجال الثلاث إلاّ أن أخرجَ من جيبهِ بطاقة للباص وأعطاني إيّاها، ثمّ شرحَ لي أنّ المكتبة التي يجب أن أقف أمامها إسمها Feltrinelliوليست Peltrinelli، ثمّ عرضَ عليّ بعض المال وسألني إذا كنتُ أحتاجُ أن أستعمل الحمّام عندهم. لقد تأثّرتُ كثيراً من سخاء الشعب في نابولي ومن إستقبالِهم الحارّ.

          كما اختبرتُ الاختلاف بالثقافة الذي نلمسهُ في الأكل، في طريقة الاستقبال، في طريقة عمل الأشياء، في التفكير، في المفهوم لكلّ شيء، إلخ... لقد تعلّمتُ كثيراً وبقي أمامي الكثير. في كثيرٍ من الأحيان كانت ردّة فعلي العفويّة "شرقيّة" زيادة عن اللزوم ولا تتطابَق مع الإطار العامّ. مثلاً: عندما كنا نذهب في زيارة لأحد الجيران، كانوا يسألوننا: هل تريدون القهوة؟ أو أحياناً هل تريدون البوظة gelato؟ بالنسبة إليّ، لم تكن القهوة شيئاً يجذبني، ولكن البوظة الإيطاليّة من الصعب أن نرفضها. ولكن ردّة فعلي "الشرقيّة" كانت تدفعني لأقول: "لا، شكراً"، مع أنّي كنتُ أشتهي أن آكل تلك البوظة ولكن ضيّعتُ الكثير من الفُرَص عليّ وكان طبعي الشرقيّ يسبق تفكيري في كثيرٍ من الأحيان.

          في هذه السنة أيضاً تعرّفتُ على الطقس اللاتيني للمرّة الأُولى، فكان عندي الكثير من التساؤلات حول الصلوات وبعض التقاليد الدينيّة التي كنت أجهلها. مع الوقت إكتشفتُ كيف أنّ مسيرة الطقس اللاتيني اللاهوتيّة تنطلق من التجسُّد، من الله القريب، الذي أصبح قريباً من إنسانيَّتنا، لتصلَ بنا إلى أُلوهيّتِه: "كان هذا حقاً ابن الله"، في حين أنّ الكنائس الشرقيّة كلّها تعمل المسيرة بالإتجاه المعاكس، فتنطلق من ألوهيّة المسيح: "في البدءِ كان الكلمة وكان الكلمة لدى الله..."، و"مع أنّه في صورة الله... أخلى ذاته متّخذاً صورة العبد وصار على مثال البشر" وأصبح قريباً منا. أظنّ أنّ المسيرتين تعملان الطريق نفسه وتوصلاننا إلى هدفٍ واحد. كما شعرتُ أنّ المسيرة الروحيّة داخل الكنيسة اللاتينيّة ترتكز كثيراً على العلاقة الشخصيّة مع الربّ، في حين أنّ البُعد الجماعي في الكنائس الشرقيّة مهمّ جدّاً إذ نترك أنفسَنا نُحمَل من خلال صلاة الجماعة. وقد حاولتُ أن أستفيد من هذا الوقت لي في إيطاليا كي أُعَمِّق علاقتي الشخصيّة مع الربّ.

          وبشكلٍ عامّ، يمكنني أن أقول بعد هذه الخبرة أنّ هناك الكثير من الأشياء التي أصبحَت نسبيّة، والكثير من التفاصيل التي سقطَت لكي أُركّز فقط على الجوهر والأساس.

          واليوم أفرح بأن أعود إلى إقليمي وأن أكون من جديد في أُخوّة البوشريّة. عسى أن يساعدني الربّ كي أُجسِّد ما اكتشَفتُهُ وما اكتسَبتُهُ من غنى في واقعنا اليوميّ وضمن ثقافة بلدي والمحيط الذي أتواجد فيه.

الأخت الصغيرة ديانا ماريّا يسوع